بقلم الدكتور:- إبراهيم حامد عبداللاه
أستاذ الأدب الألمانى…-عميد كلية الألسن
…رئيس قسم اللغة الألمانية كلية الآداب..
جامعة بنى سويف

راينر ماريا ريلكه (1875–1926) هو أحد أبرز شعراء اللغة الألمانية في أوائل القرن العشرين. ومنذ صباه المبكر، انجذب إلى الصور الأسطورية والآثار القديمة؛ فقد قرأ في شبابه ما كتبه الرحالة الأوروبيون عن حضارة مصر وما تكتنزه من أسرار، فشغف بغموضها وجلالها قبل أن يراها بأمِّ عينيه.
المرحلة الأولى: القراءة والتخيّل
في عام 1900، خلال جولة أكاديمية إلى إيطاليا، وقف ريلكه في فلورنسا أمام تماثيل مصغرة لأبو الهول، وسجل ذلك بشغف في رسائله إلى فريدريش ريتشيلد ونشر لاحقًا ملاحظاته في مطبوعات مبكرة لم تُدرج كلها في دواوينه. لكن الحب الحقيقي تجسد في كتاباته الشعرية مع صدور الجزء الأوّل من “أشعار جديدة” (Neue Gedichte) عام 1907، والجزء الثاني عام 1908؛ إذ ضمّ قصائد ثرية بالصور المصرية التي استلهمها من الحكايات الواردة في كتب المستشرقين الألمان والفرنسيين.
المرحلة الثانية: الاحتكاك الفني مع رودان
بين 1905 و1906، عمل ريلكه سكرتيرًا لدى النحات الفرنسي أوجين رودان (1840–1917) في مرسمه بضواحي باريس (مييدون). هناك، عرض رودان منحوتاته المستوحاة من “الأشياء المصرية” في فيترينة خاصة، فترك ذلك أثرًا عميقًا في روح ريلكه. انعكس هذا التواصل المباشر في قصائده التالية ودفعه إلى اعتماد الصور الفرعونية طوعًا في نثره الشعري.
المرحلة الثالثة: زيارات اللوفر ونبوءات المسلات
عاد ريلكه صيفًا وخريف 1907 إلى باريس، متنقلًا بين قاعة رودان ومعرض اللوفر. تأمل في جناح “مصر القديمة”، أمام تماثيل أمنوفيس الثاني المُنحوتة من الحجر الرملي، وكذلك أمام المسلات المهداة في القرن التاسع عشر (مسلة معبد الأقصر) في ميدان الكونكورد. وقد أثمرت تلك المشاهدات عن قصائد ومقاطع نثرية في روايته “مذكرات الأمير مالتي لوريدز بريجه” (1909/1910)، التي صدرت عام 1910، حيث جسّد ريلكه فيها روح الإنسان المصري وامتزجت فيها الموسيقى والمراثي ببيئة صحراء طيبة.
المرحلة الرابعة: تجربة كلارا في مصر
أصبحت زوجته كلارا ريلكه-فيستهوف من رواد الفن الأوروبي في القاهرة بين أواخر 1906 و1907، حين ألقت سلسلة محاضرات عن الفن المصري القديم. أرسلت إليه من مصر عشرات الرسائل المحمّلة بوصف المساجد الإسلامية والآثار المصرية، فتدفق شغف ريلكه بالحضارة المصرية تجلّياً في مذكراته ورسائله. استمرت رسائلهما المشتركة حتى ديسمبر 1907 في مدينة كابري، حيث نسج من الحديث عن عادات المصريين وأسرار الأهرامات خيالًا شعريًا لم يظهر قبلًا.
المرحلة الخامسة: الرحلة الفعلية إلى مصر
بعد صمتٍ قصير إثر أزمة نفسية تلا صدور روايته الشهيرة “مذكرات الأمير مالتي لوريدز بريجه” عام 1910، قرر ريلكه أخيرًا زيارة مصر. في نوفمبر 1910 توجّه أوَّلًا إلى الجزائر وتونس، ومنها إلى القاهرة وطيبة خلال شتاء 1910–1911. وهناك شاهد المسلات في الإسكندرية وتماثيل الكرنك والأقصر على أرض الواقع، فاضطرب وجدانه ودوّن ملاحظات دقيقة في مذكراته الأخيرة التي لم تُنشر كاملها.
من خلال هذه الرحلة المتعددة المراحل 1900–1911)، صاغ ريلكه مفهوماً خاصًّا للحضارة المصرية، لا يقتصر على نقل الوقائع بل التغلغل في روحية المكان والزمن. وقد كرّس لها مساحة واسعة في دواوينه التي صدرت في تلك الفترة، وجعل من مصر مصدرًا لا ينضب للإلهام الشعري، حاملاً معه دروسًا في العراقة والجمال والمأساة الإنسانية التي لا تفنى.
أقرأ التالي
29 مايو، 2025
على هامش الاحتفال بفعاليات يوم البيئة العالمي.. شركة بيتي-احدى شركات المراعي، تنظّم ندوة توعوية حول أبرز الممارسات المستدامة في قطاع الأغذية والمشروبات
28 مايو، 2025
مساعد وزير الإسكان يعقد اجتماعاً لمناقشة الاستعداد لإطلاق الاستراتيجية الوطنية للمدن الجديدة الذكية
28 مايو، 2025
تحت رعاية منى المنصوري.. افتتاح معرض عروس صلالة في سلطنة عمان
27 مايو، 2025
بنك القاهرة .. نمو إيرادات التشغيل بنسبة 26% لتصل إلي 9.8 مليار جنيه مصري، وارتفاع صافي الربح بنسبة 45% ليصل إلي 3.4 مليار جنيه خلال الربع الأول من العام الجاري
زر الذهاب إلى الأعلى