سد النهضة: التهديدات والبدائل الهندسية والسياسية لحماية مصر والسودان

بقلم: حسن مشعل

يشكل سد النهضة الإثيوبي تهديداً وجودياً لمصر والسودان، ليس فقط من ناحية حصة المياه، بل من زاوية أكثر خطورة تتمثل في احتمال الانهيار المفاجئ وما قد يسببه من فيضان كاسح يعبر الأراضي السودانية ليصل إلى السد العالي بأسوان.

وفي ظل هذه المخاطر، تصبح الحاجة ملحة إلى خطة متكاملة تشمل: بناء سدود بديلة، إنشاء قنوات وبحيرات جانبية، تعزيز البنية التحتية للسد العالي، وضغط سياسي–دولي لإدارة الأزمة.

 

 

 

أولاً: البحث عن مواقع لإنشاء سدود إضافية

 

من الضروري تحديد مواقع استراتيجية داخل الأراضي المصرية أو السودانية لإنشاء سدود مكملة للسد العالي.

 

الهدف الأساسي لهذه السدود هو امتصاص موجات الفيضان وتقليل سرعة المياه قبل وصولها إلى بحيرة ناصر.

 

الاختيار يجب أن يراعي:

 

طبيعة التضاريس (وُديان ضيقة وصخور صلبة).

 

القدرة على إنشاء بحيرات تخزين طبيعية بأقل خسائر تبخر.

 

التكلفة مقابل العائد الاستراتيجي.

 

ثانياً: إنشاء قنوات وبحيرات لتوزيع المياه

 

القنوات الجانبية يمكن أن تعمل كمسارات تفريغ إضافية تقلل الضغط المباشر على مجرى النيل.

 

بحيرات صناعية أو طبيعية شبيهة ببحيرة ناصر يمكن أن تستوعب كميات كبيرة من المياه المفاجئة.

 

لكن يجب مراعاة أن التبخر قد يؤدي لفقدان 7–10 مليارات م³ سنوياً، ما يستوجب حلولاً مكملة مثل:

 

استخدام الأغطية العائمة في بعض المناطق.

 

زراعة أحزمة خضراء حول البحيرات لتقليل درجة الحرارة المباشرة على سطح المياه.

 

 

 

 

 

ثالثاً: حماية الجسور والبنية العمرانية

 

يُحظر مؤقتاً إنشاء مشروعات أو أبنية ملتصقة بجسور النيل أو بمناطق المجرى حتى يتم ضمان التأمين الكامل ضد ارتفاع المناسيب.

 

أي انهيار أو موجة فيضان قد تحول هذه الأبنية إلى نقاط ضعف تزيد من حجم الخسائر البشرية والمادية.

 

 

 

 

رابعاً: صيانة السد العالي وتطوير بنيته التحتية

 

السد العالي يظل خط الدفاع الأخير لمصر.

 

ولضمان صموده، يجب:

 

تحديث أنظمة التصريف والبوابات لزيادة مرونة الاستجابة.

 

تقوية جسم السد وتدعيم أساساته لمواجهة ضغوط غير مسبوقة.

 

إضافة أنظمة مراقبة رقمية لحظية (حساسات ضغط – اهتزاز – تسرب).

 

خطط طوارئ لسيناريوهات تفريغ عاجل إذا حدث انهيار مفاجئ upstream.

 

 

 

 

 

خامساً: دور السودان والضغط الدولي

 

السودان يقع في موقع بالغ الحساسية لأنه أول من يستقبل الموجة بعد إثيوبيا.

 

لا يمكن حماية مصر دون بناء سدود تنظيمية داخل السودان لامتصاص الكتلة المائية.

 

يتطلب ذلك ضغطاً دولياً على الخرطوم للمشاركة في خطة شاملة، بعيداً عن النفوذ الخارجي أو الابتزاز السياسي.

 

 

 

 

سادساً: البعد السياسي والدبلوماسي

 

أزمة سد النهضة ليست أقل خطورة من القضية الفلسطينية، فكلاهما يرتبط بالأمن القومي لشعوب المنطقة.

 

يجب:

 

تصعيد القضية إلى الرأي العام العالمي عبر الصحف والقنوات الدولية.

 

الدعوة إلى جلسة طارئة لمجلس الأمن لمناقشة التهديد باعتباره خطراً على السلم والأمن الدوليين.

 

تعزيز الشراكات مع روسيا والصين عبر استثمارات استراتيجية لضمان الحماية الهندسية والسياسية معاً.

 

 

 

 

 

سابعاً: الالتفاف الشعبي ودعم صانعي القرار

 

الأزمة تتطلب تعبئة شعبية قوية ودعماً مطلقاً لصانعي القرار، فالأمر لا يتعلق بملف تنموي بل بمصير ووجود دولة.

 

الإعلام والمجتمع المدني لهما دور محوري في توعية الرأي العام بخطورة الموقف وضرورة دعم أي خطوات وقائية عاجلة.

 

 

 

 

خاتمة

 

إن التهديد الذي يمثله سد النهضة يتجاوز كونه نزاعاً مائياً إلى كونه إنذاراً وجودياً لمصر والسودان.

الحل لن يأتي بخطوة واحدة، بل عبر حزمة من الإجراءات المتوازية: بناء سدود بديلة، إنشاء قنوات وبحيرات جانبية، تطوير السد العالي، تعاون مع السودان، وتحرك سياسي دولي حاسم.

إن الاستثمار المالي والتعاون السياسي أصبحا اليوم أهم ملفات الأمن القومي، وما حدث حتى الآن ما هو إلا جرس إنذار يستوجب تحركاً عاجلاً على كافة المستويات قبل فوات الأوان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى